CYBERCRIME
Article
2023-07-30

 

نظرة نقدية لقانون الجرائم الإلكترونية

 

توطئة:

 

قبل الخوض في غمار القانون نجد لزاماً علينا أن نلقي نظرة سريعة على الدستور الأردني وتحديداً المادة (15) منه والتي كفلت حرية الرأي والتعبير وجاء فيها ((تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجأوز حدود القانون)).

 

وكذلك على الاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها المملكة ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي أصبح جزءًا من التشريع الأردني بعد نشره في الجريدة الرسمية عدد رقم (4764) على الصفحة رقم (2227) تاريخ (15/6/2006) إذ جاء في المادة (19/2) من العهد ((لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها)).

 

ولا يغيب عن بالنا في هذا المقام المادة (3) من قانون المطبوعات والنشر والتي تحدثت بشكل جلي عن حق الصحفيين بالتعبير عن آرائهم و التي نصت على ((الصحافة والطباعة حرتان وحرية الرأي مكفولة لكل أردني وله أن يعرب عن رأيه بحرية القول والكتابة والتصوير والرسم وغيرها من وسائل التعبير والإعلام)).

 

هذه التوطئة للإجابة على سؤالين محوريين:

الأول ما هي منزلة قانون الجرائم الإلكترونية بصيغته الحالية في الهرم التشريعي؟

والثاني هل هنالك شبهة دستورية حول قانون الجرائم الإلكترونية بحلته الحالية أم لا؟

 

بالرجوع إلى الهرم التشريعي نجد أن الدستور يأتي في أعلى الهرم تتبعه الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة، ثم القوانين التي من ضمنها قانون الجرائم الإلكترونية.

هذا السؤال يقودنا إلى إجابة واحدة فقط مفادها أن الحق في التعبير مكفول دستورياً وبموجب الاتفاقيات وقانون المطبوعات والنشر، وبالتالي لا يجوز أن يُصادر هذا الحق بموجب قانون يأتي بالمرتبة الثالثة تشريعياً.

وقد يتساءل سائل هنا، هل حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور الأردني والاتفاقيات حرية مطلقة أم ورد عليها بعض القيود؟

 

لقد حدد الدستور الأردني والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحريات والحقوق العامة للإنسان معا النطاق الذي يمكن فيه تقييد هذه الحريات، فالأصل في ممارسة الحق الحرية المطلقة والقيود ما هي إلا استثناء لا يخرج عن الإطار التنظيمي لممارسة هذا الحق بدليل ما جاء في نهاية المادة (15) من الدستور والمادة (19/3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيث أورد بعض القيود وفي أضيق الحدود كالآتي:

 

نصت المادة (19/3) على أن تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة؛ وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود لكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لـِ:

  • احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
  • حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة ".

كما نصت المادة (20/2) على:

الحظر القانوني لأية دعوى للكراهية القومية أو العرقية أو الدينية التي ستكون تحريضاً على التمييز أو العدوان أو العنف.

وفي مستهل الحديث عن القيود التشريعية المفروضة على ممارسة الحق في التعبير، نجد أن هذه القيود تمثل مجموعة من الحدود أو الضوابط أو الشروط التي تحدد سلفاً في القانون على ممارسة الحق في التعبير؛ فتشكل بمجملها قيداً على حرية الرأي والتعبير، وعليه نجد أن هذه القيود تمس حقًا وحرية كفلها الدستور، فالأصل في ممارسة الحق "الحرية المطلقة"، والقيود ما هي إلا استثناء لا يجوز أن يخرج عن الإطار التنظيمي لممارسة هذا الحق.

 

ولا ننكر أن فكرة وجود قيود ذات نشأة طبيعية متلازمة مع نشوء الحق وممارسته، وهي تعتبر فكرةً إيجابية لخلق التوازن بين مرتكزات المجتمع جميعها على أن تكون قيودًا حميدة؛ فوجودها ضروري لضمان استقرار التوازن ما بين الحق والصالح العام، وهذا ما أكدته المواثيق والاتفاقيات الدولية عن دور القانون بتنظيم هذه القيود، وذلك لغايات الحفاظ على الحقوق واحترام حرّيات الغير وحفاظاً على النظام العام والمصلحة العامة للمجتمع الديمقراطي.

 

وتقتضي فلسفة حرية التعبير الاقتران بتشريعات تضمن هذه الحرية بنطاق واسع مع الحفاظ على حدود الأمن القومي والنظام العام وعدم المساس بحقوق وحرية الآخرين؛ فعندما تأتي نصوص التشريعات بقيود مُكبِّلة لهذه الحرية ومتناقضة مع هذه الفلسفة، فلا بد أن تنشئ آثار مجافية لممارسة هذا الحق الدستوري.

 

والجدير بالذكر، وكون الأردن من الدول الدستورية الديمقراطية، فكان من الطبيعي أن يتم إعداد الدستور الأردني بما يتوافق مع المستجدات والإحداثيات الدولية المتعلقة بموجة حقوق الإنسان وقضاياها المعاصرة، مما جعل الدستور الأردني مُقرّاً للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وحرياتها بما فيها حرّية الرأي والتعبير ووجودها.

 

فجاءت نصوص الدستور لمعالجة هذه الحقوق والحرّيات منسجمةً مع الإعلانات والمواثيق والاتفاقيات الدولية، وما جاء بها من معايير دولية ومبادئ سامية تُجسّد ممارسة هذه الحرّيات في جو ديمقراطي هادف، وعليه لا بد من الجميع أفرادًا وإعلاميين وغيرهم التقيد بهذه المبادئ والقواعد الدستورية على أن يتم تنظيم هذه الحريات من خلال عمل السلطة التشريعية التي تقوم بسن القوانين؛ فلا يجوز أن تتعارض نصوص هذه القوانين مع المبادئ والحريات التي أقرها الدستور والتغول عليها بحجة التنظيم، وفي هذه الحالة تعتبر هذه القوانين باطلة وغير دستورية.

فمبدأ التوسع بهذه القيود مرفوض لتعارضه مع الهدف السامي لحرّية التعبير وانعكاسه السلبي على ممارسة هذا الحق.

 

وبالعودة إلى السؤال الثاني وهو هل هنالك شبهة دستورية حول قانون الجرائم الإلكترونية بحلته الحالية أم لا؟

عودة على ذي بدء فإن الفيصل هو الدستور الأردني الذي نص في المادة (128/1)  منه على: ((لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها)) وهذا يعني أن النصوص الواردة في قانون الجرائم الإلكترونية والمتعلقة بالحق في الرأي والتعبير يجب ألا تمس جوهر هذا الحق الوارد في الدستور، و عليه فإن وجود هكذا نصوص مخالفة لخصائص القاعدة القانونية يدخلها في باب الشبهة الدستورية.

ومن جانب آخر وفي ظل مصادقة المملكة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإنه لا يجوز أن يُسن هكذا تشريع يخالف بنود تلك الاتفاقية (العهد الدولي) بدليل ما جاء بقرار التفسير رقم (1) الصادر عن المحكمة الدستورية بأنه لا يجوز إصدار قانون يتعارض برمته مع الالتزامات المقررة على أطراف معاهدة كانت المملكة قد صادقت عليها.

وببساطة متناهية فإن النصوص الواردة في مشروع القانون والمتعلقة بحرية الرأي والتعبير تتعارض بشكل واضح وجلي مع نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الأمر الذي يجعل من قانون الجرائم الإلكترونية غير دستوري.

إضافة إلى ما استقر عليه اجتهاد محكمة التمييز الموقرة على سمو الاتفاقيات بين الدول في مرتبتها على القوانين الداخلية وهي واجبة التطبيق والاحترام.

 

أولاً:

الملاحظات القانونية على النصوص القانونية الواردة في مشروع القانون والمتعلقة حصراً بحرية الرأي والتعبير والنصوص العامة الأخرى التي تتعارض مع قانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون البينات والمطبوعات والنشر وضمان حق الحصول على المعلومات:

 

الملاحظات على المادة (2) من القانون:

  1. تم وضع مفاهيم فنية في القانون دون وضع تعريف واضح ومحدد لها، ذلك أن ما ينطبق على المفاهيم القانونية لا ينطبق على المفاهيم الفنية التي يتوجب توضيح المراد منها ومن هذه المفردات:
  • التشفير (مادة 3/ب/ج)
  • البيانات والمعلومات الحكومية (مادة 4/أ) 
  • البيانات والمعلومات الشخصية (مادة 6) بدليل أن مشروع القانون في المادة (7/ج) قد ذكر كلمة معلومات أو بيانات لجهة رسمية. 
  • عبارة خط سير البيانات الواردة في المادة (7/أ) (33/1) إلا إذا كان المقصود بتعريف خط سير بيانات الحركة هو ذاته خط سير البيانات.
  • المحتوى غير القانوني (المادة 20)

 

  1. لقد أخضع هذا القانون الصحفيين والمطبوعات الصحفية والمواقع الإلكترونية لنصوصه بدليل:
  • أن تعريف الموقع الإلكتروني الوارد في المادة (2) من قانون الجرائم الإلكترونية هو ذات التعريف الوارد في قانون المطبوعات والنشر إذ عرف قانون المطبوعات والنشر المطبوعة الإلكترونية بأنها: "موقع إلكتروني له عنوان إلكتروني محدد على الشبكة المعلوماتية يقدم خدمات النشر" وعليه وحيث شمل قانون الجرائم الإلكترونية الجديد المواقع الإلكترونية بالمطلق دون تفرقة بين المواقع الإخبارية أو المواقع التجارية وحيث أن المطلق يجري على إطلاقه فإن المواقع الإلكترونية كافة مشمولة بهذا القانون بغض النظر عما إذا كانت مواقع إخبارية أو تجارية.
  • أن قانون الجرائم الإلكترونية رقم (27) لسنة 2015 هو قانون خاص فيما يتعلق بالجرائم المقترفة وفقاً للنصوص المستحدثة فيه.
  • قرار التفسير رقم (8) لسنة 2015 الصادر عن ديوان تفسير القوانين أجاز توقيف الصحفيين في حال ارتكابهم لفعل الذم والقدح من خلال مطبوعة إلكترونية أو موقع إلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي.

 

ثانيا:

الملاحظات القانونية على المادة (4/أ/ب) من مشروع القانون والتي نصت على:

((نشر أو إعادة نشرالمعلومات غير المتاحة للجمهور والتي تمس الأمن الوطني أو العلاقات الخارجية للمملكة أو السلامة العامة أو الاقتصاد الوطني)).

وهي تقريباً ذات المادة (12) من قانون الجرائم الإلكترونية رقم (27) لسنة (2015) إلا أن النص بشكله الحالي يُلاحظ عليه ما يلي:

  • أضاف أفعال جرمية جديدة لم تكن موجودة في القانون الساري وهي فعل النشر وإعادة النشر.
  • أصبح الفعل جناية بعد أن كان جنحة بسبب زيادة العقوبة المفروضة عليه.
  • العقوبة على فعل الدخول فقط أصبحت الغرامة من (5000) دينار إلى (25000) دينار مع الأشغال المؤقتة وفي حال تحققت النتيجة من الدخول وهي فعل النشر تصبح الغرامة من (5000) دينار إلى (25000) دينار مع الأشغال المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات علماً أن العقوبة في قانون حماية أسرار ووثائق الدولة هي الأشغال المؤقتة (المادة 14) من قانون حماية أسرار ووثائق الدولة.
  • لم يحدد النص بشكل واضح المقصود بالمعلومات غير المتاحة للجمهور، وفيما إذا كانت الوثائق المحمية بموجب قانون حماية أسرار ووثائق الدولة أم الوثائق المصنفة بموجب قانون ضمان حق الحصول على المعلومات.

 

ثالثا:

الملاحظات القانونية على المادة (15/أ/ب) من مشروع القانون والتي نصت على:

((إرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو الموقع الإلكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي تنطوي على أخبار كاذبة أو ذم أو قدح أو تحقير أي شخص)).

 

وتقابلها المادة (11) من قانون الجرائم الإلكترونية رقم (27) لسنة (2015) والتي كانت تنص على:

((إرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات)).

والملاحظات على النص في القانون المقترح كالتالي:

  • إن جرائم الذم والقدح والتحقير التي تقع من خلال قانون الجرائم الإلكترونية وقانون العقوبات وقانون المطبوعات والنشر هي ذاتها؛ إلا أنها ميزت فقط بوسيلة ارتكابها والعقوبة المفروضة على مرتكبها ولم يأتِ قانون الجرائم الإلكترونية ليوجد أحكاما مستحدثة، ويؤكد ذلك ما ورد في قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين الموقر رقم (8) لسنة (2015) والذي ينزل منزلة القانون وفقا للمادة (123) من الدستور، حيث بيّن الديوان أن قانون الجرائم الإلكترونية هو قانون خاص أعاد تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بجرائم الذم والقدح، وهذا ما ذهبت إليه أيضا محكمة التمييز الموقرة بقرارها رقم (1381) لسنة (2021)  محكمة تمييز جزاء / طلبات بتاريخ 27-07-2021  وقرارها رقم (1290) لسنة (2021) محكمة تمييز جزاء / طلبات بتاريخ 27-07-2021 مما يعني أن الأحكام العامة الواردة في قانون العقوبات تبقى سارية إلى جانب تطبيق المادة(11).
  • توسيع نطاق التجريم بإضافة تقنية المعلومات ومنصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات التي كانت تخضع لقانون الاتصالات كتطبيق واتس آب مثلاً.
  • إن مجرد إرسال البيانات أو المعلومات بين شخصين دون اطلاع العامة على تلك المراسلات يُخضع هذا الفعل لقانون الجرائم الإلكترونية، وفي ذلك مخالفة لمفهوم وسائل العلنية الواردة في المادة (73) من قانون العقوبات.
  • فرض القانون ذات العقوبة على أربعة أفعال جرمية كل فعل يختلف عن الآخر ذلك أن فعل الذم يختلف عن القدح عن التحقير عن نشر الأخبار الكاذبة؛ علماً أن قانون العقوبات قد أفرد عقوبة مختلفة لكل فعل وأقل بكثير عن العقوبات الواردة هنا.
  • إن العقوبة المفروضة في قانون الجرائم الالكترونية في حال كان المجني عليه موظف عام أو أحد السلطات الحكومية أكثر من العقوبة المفروضة بقانون العقوبات التي تصل بحدها الأعلى إلى سنتين في قانون العقوبات في حين أن حدها الأعلى في مشروع القانون ثلاث سنوات.
  • إن القانون بحلته هذه عَمِد إلى تحصين السلطات في الدولة والهيئات الرسمية والموظف العام من النقد ومن انتشار المعلومات التي قد تدينها.
  • تعدد النصوص المتعلقة بنشر الأخبار والواردة في مشروع القانون مثل كلمة أخبار كاذبة الواردة في المادة (15) وكلمة أخبار زائفة الواردة في المادة (20) من القانون تجعل العديد من الأفعال التي يقوم بها الصحفيون أو الناشطون سببا في توقيفهم.
  • إن النص القانوني المتعلق بنشر الأخبار الكاذبة استخدم كذريعة لقمع حريّة الرأي والتعبير/ توقيف الصحفيين والناشطين / إغلاق المواقع الإلكترونية والتضييق على الإنترنت.
  • إن مفردة أخبار كاذبة مفردة جديدة يستخدمها المشرع لأول مرة في هذا القانون ذلك أن المفردة المستخدمة في قانون العقوبات هي مفردة (أنباء أو مزاعم) في باب الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي ومفردة (إشاعات كاذبة) في قانون المطبوعات والنشر؛ وعليه لا يوجد نص بالتشريعات الأردنية وضح أو حدد أو عرف جريمة الكذب لوحدها، ففعل الكذب يجب أن يقترن مع أفعال أخرى ليعد جريمة؛ وعليه لابد من ربط هذا الفعل بفعل آخر أو بنتيجة لتقوم الجريمة.
  • أعطت هذه المادة الحق للمدعين العامين والقضاة في توقيف الصحفيين أو كل من اسندت له هذه التهمة، وفي ذلك مخالفة لمبدأ قرينة البراءة؛ ذلك أن الأصل في الإنسان البراءة إلى أن يدان بحكم قطعي بات.

 

رابعا:

الملاحظات القانونية على المادة (16) من مشروع القانون والتي نصت على:

((أشاع أو عزا أو نسب قصدا دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك عن طريق الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو الموقع الإلكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي أفعالا من شأنها اغتيال شخصيته)) كما يلي:

  • إن مفردة اغتيال الشخصية وردت في العديد من التشريعات الإدراية كنظام الخدمة المدنية وقانون النزاهة ومكافحة الفساد وفي العديد من الأنظمة التي تحكم الموظف العام تحت باب واجبات الموظف العام والصفات التي يتوجب على الموظف العام أن يتحلى بها، وذلك لحثّ الموظف العام على إبداء الرأي والإفصاح عن جوانب الخلل والإبلاغ عنه مع الحرص على التأكد من المعلومات وعدم اغتيال الشخصية.
  • لا يوجد لهذه المفردة أصل في اللغة العربية أو في الكتب السماوية؛ إذ إن مفردة الاغتيال من حيث الاصطلاح  اللغوي والديني تعني (إزهاق الروح) وهذه المفردة مستمدة من اللغة الإنجليزية وترجمتها بالإنجليزية: "Character assassination"‏ وعُرّفت بأنها عملية متعمدة ومستمرة تهدف لتدمير مصداقية وسمعة شخص أو مؤسسة أو منظمة أو مجموعة اجتماعية أو أمة، ويستخدم وكلاء أو عملاء اغتيال الشخصية مزيجًا من الطرق المفتوحة والخفيفة؛ لتحقيق أهدافهم مثل رفع الاتهامات الكاذبة، وزرع الشائعات وتعزيزها، والتلاعب بالمعلومات، وعليه فإن فعل اغتيال الشخصية يكون بالتعمد والاستمرار.
  • لا يمكن ضبط الأفعال المرتبطة بهذه المفردة ليصار إلى تحديد أركان الجريمة المرتبطة بها ذلك أن كلمة اغتيال ارتبطت بفعل القتل.

 

خامسا:

الملاحظات القانونية على المادة (17) من مشروع القانون والتي نصت على:

((النشر قصداً ما من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو النيل من الوحدة الوطنية أو الحض على الكراهية أو الدعوة إلى العنف أو تبريره أو ازدراء الأديان))

 

  • هي تجميع لأفعال وردت في قانون العقوبات (المواد 150، 467 مكرر) وقانون المطبوعات والنشر (المادة (7/د، 38/ أ، ج) ومسودة مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2017 (المادة 2/4).
  •  أخطر ما في هذه المادة (17) بصيغتها الحالية أن مشروع القانون لم يتطلب تحقيق النتيجة وإنما يكفي أن يكون قصد الفاعل (الكاتب) قد اتجه إلى ذلك وليس بالضرورة أن يؤدي فعل النشر إلى إثارة الفتنة أو النعرات أو النيل من الوحدة الوطنية أو الحض على الكراهية أو الدعوة إلى العنف أو تبريره أو ازدراء الأديان بل يكفي مجرد احتمال تحقيق ذلك.
  • لم يحدد المشرع هنا صور الركن المادي للجريمة (الفعل) أي أنه وسع من دائرة الأفعال المجرمة على خلاف المادة (150) والتي حددت صورها بالكتابة والخطاب واكتفى هنا بكلمة النشر واعتبر أن أي مادة تنشر هي صورة لذلك النشاط سواء كانت صورة أو كاريكاتور أو فيديو أو خطاب أو تسجيل صوتي أو رسم .... إلخ.
  • إيجاد مفردات جديده تختلف عن مثيلاتها في قانون العقوبات على سبيل المثال جرم إهانة الشعور أو المعتقد الديني في قانون العقوبات وقانون المطبوعات والنشر وجرم ذم أحد الديانات في قانون المطبوعات والنشر المادة (38).

 

سادسا:

الملاحظات القانونية على المادة (19) من مشروع القانون والتي نصت على:

((نشر تسجيل أو صورة أو فيديو لما يحرص الشخص على صونه وعدم إظهاره أو كتمانه عن العامة بقصد التشهير أو الإساءة أو الحصول على أية منفعة من جراء ذلك وإن كان قد حصل على تلك الصور أو التسجيلات أو الفيديوهات بصورة مشروعة)).

لأول مرة تستخدم مفردة تشهير في قانون عقابي إذ لم يسبق أن استخدمت بقانون العقوبات أو قانون المطبوعات والنشر وهي مصطلح دولي بمعنى الذم والقدح وتجد هذه المفردة بقانون نقابة الفنانين وقانون مقاولي الإنشاءات المقاولين وفي تعليمات  الانضباط الطلابي في المدارس الحكومية والخاصة.

ببساطة باستعراض مفردات هذا النص نجد بأنها تتحدث عن حماية الحياة الخاصة المحمية أصلاً في الدستور الأردني وفي قانون العقوبات والمطبوعات والنشر وقانون الإعلام المرئي والمسموع وعن جرم الابتزاز (415) عقوبات وعليه فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الفرق ما بين يحرص الإنسان على صونه وعدم إظهاره (الجسد) وأعتقد أن هذا توخاه المشرع من هذه المفردة وبين الكتمان والتي تطلق على الحياة الخاصة بشكل أكبر وهنا لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذا النص قد ساوى في حماية الحياة الخاصة ما بين الأفراد العاديين والأشخاص المشهورين كالسياسيين والموظفين الحكوميين في حين أفرد نصا خاصا للموظفين العامين في باب الذم والقدح علماً أن  نطاق الخصوصية يتأثر بمدى شهرة الشخص، فإذا كان المرء مشهوراً، مثل: الشخصيات العامة والفنانين والسياسيين، فإن حياته الخاصة – غالباً- لا تكون ملكاً له وحده، لأن حياته الخاصة ترتبط بحياته العامة ارتباطاً وثيقاً يصعب معه تناول إحداهما بمعزل عن الأخرى، وإذا كانت الحياة الخاصة للشخصيات العامة ومن يشبهها في الشهرة ولو في ظروف وقتية عارضة، تتداخل مع حياتهم العامة في كثير من الأحوال، فإن هذا يعني افتراض قبولهم مقدماً لأن يكونوا عرضة للصحافة أو غيرها من وسائل الإعلام .

 

سابعا:

الملاحظات القانونية على المادة (25) من مشروع القانون والتي نصت على:

((يكون الشخص المسؤول عن الإدارة الفعلية للموقع الإلكتروني أو منصة التواصل الاجتماعي أو المسؤول عن أي حساب أو صفحة عامة أو مجموعة أو قناة أو ما يماثلها مسؤولا عن المحتوى غير القانوني ويعاقب عن الجرائم التي ترتكب خلافا لأحكام هذا القانون المتعلقة بالمحتوى ذاته بالعقوبات المقررة لفاعلها)).

  • مخالفة هذا النص لمبدأ شخصية العقوبة وأن في مسائلة المسؤول عن الموقع الإلكتروني أو منصة التواصل الاجتماعي أو المسؤول عن أي حساب أو صفحة عامة أو مجموعة أو قناة هي بمثابة مسؤولية مفترضة كمسؤولية رئيس التحرير في قانون المطبوعات والنشر.
  •  في الواقع العملي هنالك استحالة عملية في تطبيق ذلك، إذ إن بعض الحسابات أو الصفحات قد يكون عليها من المتابعين أو المشتركين مئات الآلاف إذا لم يكن ملايين منهم؛ وعليه فإن هذا النص لا يمكن إلا أن يُقرأ كقيد إضافي على حرية الرأي والتعبير من خلال المنع من التعليقات أو كتابة المنشورات على تلك الصفحات أو الحسابات.
  •  لم يحدد النص المقصود بالمحتوى غير القانوني واستخدم هذ مفردة قد يكون الأول في التشريع الأردني.

 

ثامنا:

الملاحظات القانونية على المادة (31) من مشروع القانون والتي نصت على:

  • مصادرة الأجهزة أو البرامج أو الأدوات أو الوسائل أو المواد المستخدمة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أو الأموال المتحصلة منها.

 

  • إن في هذا النص عقوبة جماعية لأن في عقوبة إغلاق المحل عقوبة جماعية لكل العاملين في الموقع الإلكتروني بغض النظر كان مساهماً بالفعل أم لا أي على علم بالمادة الصحفية التي نشرت أم لا، وفي ذلك مخالفة لمبدأ شخصية العقوبة ومعاقبة أشخاص ليس لهم أي دخل بالفعل المرتكب.   

 

تاسعا:

الملاحظات القانونية على المادة (36) من مشروع القانون والتي نصت على:

 

((تكون للبيانات والمعلومات التي يتم الحصول عليها من الجهات الرسمية من دول أخرى حجية الإثبات أمام الجهات القضائية الأردنية))

 

  • في هذا النص مخالفة لقانون أصول المحاكمات الجزائية وتعارضاً بالنصوص التشريعية إذ وفقا لنص المادة (148/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي نصت على ((لا يجوز للقاضي أن يعتمد إلا البينات التي قدمت أثناء المحاكمة وتناقش فيها الخصوم بصورة علنية)) وفي ذلك حرمان للمشتكى عليه من مناقشة مُعد تلك البيانات أو المعلومات وكيفية تحصله عليها وكذلك مخالفة لقانون البينات في المادة (2) والذي حدد وسائل الإثبات؛ وهذا يعني أننا أمام وسيلة إثبات جديدة لم ينص عليها القانون وليس لها وجود في قانون البينات.

 

التوصيات:

1- المادة (2) من القانون؛ إضافة تعريف واضح للمفاهيم التالية التي أغلبها مفاهيم ومصطلحات فنية وليست قانونية والتي يتوجب على المشرع توضيحها لا أن يترك تفسيرها للمحاكم:

  • التشفير (مادة 3/ب/ج).
  • البيانات والمعلومات الحكومية (مادة 4/أ).
  • البيانات والمعلومات الشخصية (ماده 6) بدليل أن مشروع القانون في المادة (7/ج) قد ذكر كلمة معلومات أو بيانات لجهة رسمية. 
  • عبارة خط سير البيانات الواردة في المادة (7/أ) (33/1) إلا إذا كان المقصود بتعريف خط سير بيانات الحركة هو ذاته خط سير البيانات.
  • الأخبار الكاذبة (مادة 15).
  • اغتيال الشخصية (مادة 16).
  • المحتوى غير القانوني (المادة 20).

 

  1. إلغاء النص المتعلق بمضاعفة العقوبة في حال التكرار (المادة 28 من مشروع القانون) لأن بقاء النص بهذا الشكل سيجعل من العقوبة مع حالات التكرار تصل إلى المؤبد في الجنايات.
  2. النص صراحة على عدم التوقيف نتيجة إبداء الرأي بالقول والكتابة والتصوير والرسم وغيرها من وسائل التعبير على غرار قانون المطبوعات والنشر.
  3. إن نص المادة (4/ه) من مشروع القانون يخالف نص (المادة 70) من قانون العقوبات والتي تحدثت عن عقوبة الشروع على ارتكاب الجناية، ذلك أنه لا يجوز أن تكون العقوبة على الشروع في الجنايات بالعقوبة المقررة للجرائم ذاتها، على خلاف الشروع في الجنح إذ إنه من الجائز أن تكون العقوبة على الشروع كما بالعقوبة المقررة للجرائم ذاتها.
  4. عدم إمكانية الاستفادة من بدائل العقوبات السالبة للحرية لأن بعض الأفعال أصبحت جناية وعقوبتها الأشغال المؤقتة وعليه لا يمكن للمحكمة في الجنايات الواقعة على الأشخاص أن تستبدل العقوبة من الحبس إلى بدائل العقوبات السالبة للحرية المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة (25) مكررة من قانون العقوبات.
  5. مخالفة مبدأ شخصية العقوبة ذلك أن العقوبات الواردة في (المادة 31) من مشروع القانون والمتمثلة بمصادرة الأجهزة وتعطيل وحجب الموقع الإلكتروني وإغلاق المحل (المطبوعة الإلكترونية) ستطال كافة العاملين في الموقع الإلكتروني أو المنصة وبغض النظر فيما إذا كان أي منهم مساهماً بالفعل أم لا، وسواء كان يعلم بما نشر أم لا أيضاً وفي إغلاق الموقع والمنصة توقف لمصدر رزق ودخل باقي العاملين بهما.
  6. لم يحدد القانون بشكل واضح المقصود بالمعلومات غير المتاحة للجمهور المادة (4) من مشروع القانون، وبيان فيما إذا كان يقصد الوثائق المحمية بموجب قانون حماية أسرار ووثائق الدولة أم الوثائق المصنفة بموجب قانون ضمان حق الحصول على المعلومات.
  7. إن جرائم الذم والقدح والتحقير التي تقع من خلال قانون الجرائم الإلكترونية وقانون المطبوعات والنشر وقانون العقوبات هي ذاتها كأفعال ولم يأت قانون الجرائم الإلكترونية بتعريف أو إطار جديد لتلك الأفعال، سوى أنه قد ميز تلك الأفعال فقط بوسيلة ارتكابها والعقوبة المفروضة على مرتكبها.
  8. إن وضع عقوبة واحدة لأفعال جرمية مختلفة فيه مخالفة صارخة للقانون ذلك أن فعل الذم يختلف عن فعل القدح وعن فعل التحقير وعن فعل نشر الأخبار الكاذبة بدليل أن قانون العقوبات قد أفرد عقوبة مختلفة لكل فعل وأقل بكثير عن العقوبات الواردة في مشروع القانون.
  9. إيجاد تعريف واضح ومنضبط لكلمة اغتيال الشخصية ذلك أن اغتيال الشخصية هي عملية متعمدة ومستمرة لتدمير مصداقية وسمعة الشخص ولا تقوم هذه الجريمة إلا بالتعمد والاستمرار وعليه لذا نوصي بحذفها أو تعديلها.
  10. النص صراحة على إسقاط الجرم عن المشتكى عليه في حال إسقاط الحق الشخصي.
  11. النص صراحة على حق النقد إذا كان يعود بالنفع للصالح العام كما جاء بالمادة (198) من قانون العقوبات.
  12. النص صراحة على الأخذ بمبدأ حُسن النية في النشر على غرار المادة (199) الواردة في قانون العقوبات.
  13. النص صراحة على حرمة الحياة الخاصة بديلاً عن مفردات غامضة في حقيقتها تعود لأفعال جرمية أخرى (كمفردة كتم) الواردة في المادة (19) من مشروع القانون.
  14. إعطاء فرصة زمنية لمسؤول الموقع الإلكتروني أو منصة التواصل الاجتماعي بعد إخطاره لإزالة المحتوى أو التعليق وتحديدا في قضايا الرأي والتعبير قبل مسائلته قانونياً.
  15. لم يحم مشروع القانون الملكية الفكرية للمصنفات أو المحتوى سواء كان للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين.

 

 

الأستاذ المحامي خالد خليفات محامي متخصص في قضايا الإعلام والنشر والجرائم الإلكترونية مدرب على الحماية القانونية للصحفيين والتشريعات الإعلامية وعلى رصد وتوثيق الانتهاكات الواقعة على الإعلام والإعلاميين، مستشار للعديد من المؤسسات الإعلامية وعمل على تقديم العديد من الاستشارات القانونية المتعلقة بقوانين المطبوعات والنشر، الإعلام المرئي والمسموع، حماية وثائق و أسرار الدولة، قانون حماية حق المؤلف، ضمان حق الحصول على المعلومات، الجرائم الإلكترونية المرتكبة بواسطة وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات.

 


 

 

English